زهد عمر الفاروق رضي الله عنه / حصن المسلم

زهد عمر بن الخطاب

كانَ عمر بنُ الخطّاب إماماً في الزُّهدِ، فَقَد رَغِبَ عن الدّنيا، وَرَكَلَها و هي رَاغِبَةٌ فيه ابْتغاءَ ما عندِ الله من نَعيمٍ مُقيم، وَلَقَد شَهِد لَهُ صحابةُ رسولِ الله الّذينَ عاشروهُ وَعَمِلوا مَعَهُ و رافقوه، وَمِن ذَلكَ عن مُعاوِيَة رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: ( أرَادَت الدُّنيا عُمَرَ بنَ الخطّاب فَلَم يُرِدْها) وَقَالَ طَلْحَةُ بن الزُّبَيْر: ( مَا كان عُمَرُ بنُ الخَطّابِ بأوّلِنا إسلامَاً ولا أَقْدَمِنا هِجْرَة، ولكنَّهُ كان أزهَدَنا في الدُّنيا وأرغَبَنا في الآخِرَة ).

وَرَوى ثابت أَنَّ عُمَرَ استَسقَى، فأُتِيَ بإِناءٍ مِنْ عَسَل فَوَضَعَهُ عَلى كَفِّه، قَال: فَجَعَلَ يَقولُ: "أََشرَبُها فَتَذهَبُ حَلاوَتُها، وَتَبقى نِقْمَتُها"، قَالَها ثلاثًا، ثمّ دَفَعَهُ إِلى رَجُلٍ مِنَ القَومِ فَشَرِبَهُ.


وَقَد جَاءَ أيضاً أنّه قَدمَ علَى أَميرِ الْمؤْمنِينَ عُمَرَ وَفدٌ مِن أَهل الْبصْرةِ مَعَ أَبِي مُوسَى الأشعَريِّ، قَالَ : فَكُنَّا نَدْخل علَيه، وَله كلَّ يَوْمٍ خُبْزٌ يلَتُّ، وَرُبَّمَا وَافَيْنَاهُ مَا دَوَّمَ بِسَمْنٍ، وَأَحْيَانًا بِزَيْتٍ، وَأَحْيَانًا بِاللَّبَنِ، وَرُبَّمَا وَافَقْنَا الْقَدَائِدَ الْيَابِسَةَ قَدْ دُقَّتْ، ثُمَّ أُغْلِيَ بِمَاءٍ، وَرُبَّمَا وَافَقْنَا اللَّحْمَ الْغَرِيضَ وَهُوَ قَلِيلٌ، فَقَالَ لَنَا يَوْمًا: " إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ أَرَى تَعْذِيرَكُمْ ، وَكَرَاهِيَّتَكُمْ طَعَامِي، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَكُنْتُ أَطْيَبَكُمْ طَعَامًا ، وَأَرَقَّكُمْ عَيْشًا، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَجْهَلُ عَنْ كَرَاكِرَ وَأَسْنِمَةٍ، وَعَنْ صِلاءٍ، وَعَنْ صَلائِقَ، وَصِنَابٍ، قَالَ جَرِيرٌ: الصِّلاءُ الشِّوَاءُ، وَالصِّنَابُ الْخَرْدَلُ، وَالصَّلائِقُ الْخُبْزُ الرِّقَاقُ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى عَيَّرَ قَوْمًا بِأَمْرٍ فَعَلُوهُ، فَقَالَ: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا. سورة الأحقاف آية 20 " ، قَالَ : فَكَلَّمَنَا أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ ، فَقَالَ: لَوْ كَلَّمْتُمْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَفَرَضَ لَكُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ طَعَامًا تَأْكُلُونَهُ، قَالَ: فَكَلَّمْنَاهُ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الأمَرَاءِ، أَمَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ مَا أَرْضَى لِنَفْسِي " ، قَالَ : فَقُلْنَا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ الْعَيْشُ بِهَا شَدِيدٌ، وَلا نَرَى طَعَامَكَ يُغْشَى، وَلا يُؤْكَلُ، وَإِنَّا بِأَرْضٍ ذَاتِ رِيفٍ، وَإِنَّ أَمِيرَنَا يُغْشَى، وَإِنَّ طَعَامَهُ يُؤْكَلُ ، قَالَ : فَنَكَّسَ عُمَرُ سَاعَةً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: " قَدْ فَرَضْتُ لَكُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَاتَيْنِ ، وَجَرِيبَيْنِ، فَإِذَا كَانَ بِالْغَدَاةِ فَضَعْ إِحْدَى الشَّاتَيْنِ عَلَى أَحَدِ الْجَرِيبَيْنِ، فَكُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، ثُمَّ ادْعُ بِشَرَابٍ فَاشْرَبْ، قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: يَعْنِي الشَّرَابَ الْحَلالَ، ثُمَّ اسْقِ الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ قُمْ لِحَاجَتِكَ، فَإِذَا كَانَ بِالْعَشِيِّ فَضَعِ الشَّاةَ الْغَابِرَةَ عَلَى الْجَرِيبِ الْغَابِرِ، فَكُلْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، أَلا وَأَشْبِعُوا النَّاسَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَأَطْعِمُوا عِيَالَهُمْ، فَإِنَّ تَجْفِينَكُمْ لِلنَّاسِ لا يُحْسِنُ أَخْلاقَهُمْ، وَلا يُشْبِعُ جَائِعَهُمْ، وَاللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا أَظُنُّ رُسْتَاقًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ شَاتَانِ وَجَرِيبَانِ إِلّا يُسْرِعُ ذَلِكَ فِي خَرَابِهِ "


وَقَد كانَ زُهْدُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حتّى في ثيابه، فَقَد كَانَ يَلبَسُ الخَشِنَ منَ الثّيابِ وَقَد كانت ثيابُهُ مُرقّعَةً، فَقَد قيلَ أنَّهُ فَتَحَ القُدسَ وَعَليهِ ثوبَهُ المُرَقَّع، وَكانَ يَخْطُب بالنّاسِ وَهُوَ خليفة وَعَليهِ إزارٌ فيه اثنَتَا عَشَرَةَ رُقْعَةً.


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:من دعا إلى الهدى كان له من الاجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً
(شارك المقال)