الاسباب الجالبة لمحبة الله (4)
• السبب السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته، بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات.
والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
وقد كان للسلف في الخشوع بين يدي الله أحوال عجيبة، تدل على ما كانت عليه قلوبهم من صفاء ونقاء.
كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما إذا قام في الصلاة كأنه عود، من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جزع حائط.
وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء. قال: أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم"؟.
• السبب الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16].
إن أصحاب الليل هم بلا شك من أهل المحبة، بل هم من أشرف أهل المحبة، لأن قيامهم في الليل بين يدي الله تعالى يجمعُ لهم جلَّ أسباب المحبة التي سبق ذكرها.
ولهذا فلا عجب أن ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمّد صلى الله عليه وسلم ويقول له: «واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس» [قال الألباني حسن لغيره].
يقول الحسن البصري رحمه الله: "لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل فقيل له: ما بال المجتهدين من أحسن الناس وجوهاً فقال لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره".
• السبب التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما يُنتقى أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عزّ وجلّ: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في» [صححه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله» [قال الألباني حسن لغيره].
فمحبة المسلم لأخيه المسلم في الله، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق وهي سياج واق، ويحفظ الله به قلب العبد، ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف.
• السبب العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عزّ وجلّ.
فالقلب إذا فسد فلن يجد المرء فائدة فيما يصلحه من شؤون دنياه ولن يجد نفعاً أو كسباً في أخراه. قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿٨٨﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88-89].